أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة… والاقتصاد يترنّح
دخل الإغلاق الحكومي الفيدرالي الأمريكي اليوم يومه السادس والثلاثين، ليُصبح رسميًا الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، متجاوزًا الرقم القياسي السابق البالغ 35 يومًا الذي سُجّل في عام 2018.
لكن هذه المرة، يبدو أن آثار التجميد الحكومي تمتدّ أعمق من مجرد أزمة سياسية بين البيت الأبيض والكونغرس — إذ بدأت الأسواق والمستثمرون يشعرون فعلاً بالبرد القادم من واشنطن.
كيف بدأ الإغلاق؟
القصة بدأت كما في معظم الأزمات السياسية الأمريكية: خلافات حادة حول بنود الإنفاق الحكومي وتمويل بعض البرامج الفيدرالية. فشل الكونغرس في تمرير قانون تمويل مؤقت قبل نهاية السنة المالية، ومع غياب الاتفاق، توقفت أجزاء واسعة من الحكومة عن العمل في الأول من أكتوبر.
النتيجة؟ أكثر من 800 ألف موظف فيدرالي عالقون بين العمل بلا أجر أو إجازات قسرية، ومؤسسات حكومية مغلقة، ومشاريع مؤجلة بانتظار الضوء الأخضر من الكونغرس.
التأثير المباشر: الحكومة تتوقف، لكن الفواتير لا تتوقف
الإغلاق يعني ببساطة أن أموال التشغيل توقفت.
دوائر مثل إدارة الحدائق الوطنية، وكالة حماية البيئة، مكتب الإحصاء، وهيئات الأبحاث علّقت أعمالها كلياً أو جزئياً.
الموظفون الحكوميون بلا رواتب، والإنفاق الاستهلاكي في المدن التي تعتمد على الدخل الحكومي بدأ بالانخفاض.
في بعض الولايات، ارتفعت طلبات المساعدات المالية الطارئة، وهو ما يعكس أثرًا إنسانيًا حقيقيًا لا تلتقطه المؤشرات الاقتصادية بسهولة.
التأثير الاقتصادي: الصمت الرقمي في البيانات
أحد أخطر آثار الإغلاق الحالي هو توقف إصدار البيانات الاقتصادية الرسمية.
الأسواق الأمريكية تعتمد على جداول بيانات منتظمة تصدرها مؤسسات مثل مكتب الإحصاء ووزارة العمل لتقييم التضخم، والوظائف، والنمو.
لكن مع الإغلاق، توقفت هذه البيانات — ما خلق ما يُعرف الآن بين المحللين باسم “الضباب الاقتصادي”.
المستثمرون، وصناديق التحوط، وحتى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يواجهون صعوبة في قراءة اتجاه الاقتصاد الأمريكي في ظل غياب البيانات الدقيقة.
وول ستريت تتأرجح
في الأسبوع الرابع من الإغلاق، بدأت مؤشرات داو جونز وستاندرد آند بورز 500 تظهر تذبذبًا متزايدًا.
الأسواق بطبيعتها لا تحب الغموض، والجمود السياسي يجعل المستثمرين أكثر حذرًا.
تراجعت شهية المخاطرة، وبدأت رؤوس الأموال بالتحرك نحو الأصول الآمنة مثل الذهب وسندات الخزانة الأمريكية.
ورغم أن تأثير الإغلاق في الناتج المحلي الإجمالي ما يزال محدودًا على المدى القصير، إلا أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات أسبوعيًا.
قطاع الطيران والسفر: بين التأخير والضبابية
مع أن المراقبين الجويين ومفتشي السلامة يُعتبرون موظفين “أساسيين”، إلا أن العمل تحت ضغط طويل وبدون رواتب بدأ ينعكس على الأداء.
شركات الطيران حذّرت من احتمالية تأخير الرحلات وزيادة التكاليف التشغيلية إذا طال الإغلاق أكثر.
القطاع السياحي أيضًا يتضرر بسبب إغلاق المتنزهات الوطنية والمواقع التاريخية الفيدرالية، ما يؤثر على الأعمال الصغيرة في المناطق السياحية.
الشركات والابتكار في وضع الانتظار
الإغلاق لم يؤثر فقط على الحكومة، بل امتد إلى الشركات الخاصة التي تعتمد على العقود أو التصاريح الفيدرالية.
شركات التقنية والدفاع والطاقة تواجه تأخيرات في توقيع العقود الحكومية أو مراجعة مشاريعها.
حتى براءات الاختراع الجديدة قد تتأخر بسبب تجميد بعض المكاتب المختصة.
الأسواق تراقب واشنطن
المحللون الماليون يشيرون إلى أن استمرار الإغلاق لأكثر من 40 يوماً قد يضغط على النمو الأمريكي في الربع الأخير بنسبة ملحوظة، مع تراجع ثقة المستهلكين وزيادة القلق لدى المستثمرين الدوليين.
ومع أن وول ستريت تعلم أن كل أزمة سياسية في واشنطن تنتهي في النهاية، إلا أن هذا الإغلاق يحمل رسالة مختلفة:
الشلل السياسي لم يعد حدثاً مؤقتاً، بل أصبح جزءاً من معادلة الاقتصاد الأمريكي ذاته.
خاتمة
ستفتح الحكومة في النهاية — كما حدث في كل مرة سابقة.
لكن الأثر الحقيقي لهذا الإغلاق لن يُقاس فقط بعدد الأيام التي توقفت فيها المؤسسات، بل بالثقة التي فُقدت في قدرة الدولة الأكبر اقتصاداً على إدارة شؤونها بسلاسة.
الأسواق لا تخاف من الأزمات، بل من الغموض.
وما يحدث اليوم في واشنطن هو الغموض بأوضح صوره.


